السبت، 23 نوفمبر 2013

حلقة جديدة من سلسلة (لأجلها)

حلقة جديدة من سلسلة (لأجلها) بعنوان: 
الخــــادمـــــــــة
د. ماهر أحمد السوسي
بعد أن أنهت مها ما أمرتها به هذه المرأة التي تسكن في بيتها من جلي الصحون وتنظيف مائدة الغداء، جلست تفكر فيما تبدأ به مذاكرة دروسها، وقد تراكمت عليها تلك الدروس بسبب ما تقوم به من أعمال البيت، وبينما هي كذلك إذ سمعت ذلك الصوت المشؤوم التي طالما تمنت ألا تسمعه أبداً، مها مها أين أنت؟ كم مرة قلت لك أن تمسحي بلاط المطبخ بعد كل غداء، لِمَ لم تفعلي ذلك اليوم، أنت بنت لا فائدة منك، كم أتمنى أن لا أراك في هذا البيت ....
سمعت مها هذه المعزوفة التي لا بد أن تسمعها كل يوم، ولكن اليوم مع مزيد من الدهشة والذهول والحنق، كادت تصدق نفسها أنها لم تنظف بلاط المطبخ، من شدة غضب هذه المرأة وصراخها عليها، ولكنها قد نظفت البلاط بالفعل، وهي لم تنساه.
هي زفرت احترق لها صدرها خرجت من هذا الصدر عند قيامها لترى ما الذي دفع هذه المرأة لأن تفعل ما فعلته، فوجدت ما في المطبخ هو بقع حليب من كوب تحملها هذه الطفلة الصغيرة الموجودة أمام أمها في المطبخ، وليس هو من آثار تناول طعام الغداء، وكأن هذه المرأة وجدت في ذلك فرصة سانحة لتعكر على مها صفوها وتمارس هوايتها في تعنيفها، ثم نظرت حولها فوجدت فوق الحنفية تلك الخِرقة التي تنظف بها الأرض، فالتقطتها بيدٍ راجفة وذهن شارد، ومسحت بها ما على الأرض من قطرات الحليب.
عادت مها إلى غرفتها تجرّ خلفها سيلاً من المشاهد المؤلمة، ويتردد في أذنها صوت هذه المرأة وعبارتها المشهورة، "أنت لا تساوين الخبز الذي تأكلينه، متى يأتي اليوم الذي لا أراك فيه في هذا البيت"، ويمرّ في خاطرها كيف أنها كانت دائماً تجلس على مائدة الطعام آخر من البيت بسبب أنها تحضر الطعام ولا ينتظرها إلى هذا الرجل الذي يرمقها طرف عينه شفقة بها، وكأنها يستعجلها بالجلوس، ثم يرد إلى ذهنها مشهد هؤلاء البنات اللاتي في البيت يقمن عن الطعام وتبقى هي وحيدة تنظف المطبخ، وترى بعد ذلك أنها تنام في هذا الفراش المتواضع بهذه الملابس المبتذلة، وهذه البنات يرتدين ملابس أنيقة جميلة، وينمن على فراش ناعم دافئ، وآلمها كثيراً أنها تذكرت يوم منعت من أن تذهب للمدرسة لتقديم الامتحان بسبب أن هذه المرأة تريد أن تذهب في نزهة مع جيرانها وتبقي عندها طفلها الصغير ...
وضعت رأسها بين يديها، وأطرقت تقلب فيما ترى ويرد على خاطرها، وتحاول أن تجد جواباً عن سؤال طالما أرقها، لِمّ أنا هكذا؟ وكيف وصلت إلى هذا الحال؟ وبينما هي كذلك إذا شعرت بيد تمتد إلى ذقنها، وترفع رأسها، فنظرت فإذا هو أبوها يقف أمامها، تظر إليها بحرارة، التقت عينيها بعينيه لأول مرة، وانحبست بين جفنيها دمعة حارة كأنها جمرة نار، لم تعد تشعر بالزمان ولا بالمكان، مها، يا ابنتي، اليوم عرفت أنك أصبحت فتاة كبيرة، اليوم جاءني .... ثم صمت وبدأ يتحسس وجهها الذي تصبب عرقاً، اليوم جاءني من يخطبك مني، سامحني يا ابنتي، هكذا قدرك، أشعر بك، وأعلم كم هي سيئة زوجتي معك، مها، منذ أن توفيت أمك كان لا بد لي من زوجة غنيرها، والله يا ابنتي قد اجتهدت أن تكون أمراة طيبة، لكن قدري وقدرك هكذا، سامحني يا ابنتي، فأنا أريد أن أحافظ على البيت وعلى أخواتك اللاتي اجبتهن، إنما كنت أضعف من أجلك، لئلا تترك البيت وتبقين وحيدة تتحملين كل أعبائه، سامحيني يا ابنتي حينما خبطك صديقي مني لابنه عرفت أنك أصبحت فتاة ناضجة، مها هل تقبلين؟ هل تقبلين الزواج من هذا الشاب؟
أحست مها بالتيه، وقد أمسك بيدي والها التان ما تزالان تمسك بوجهها، لم تعرف ماذا تقول، سكت الكلام وكأن حروفه قد ضاعت، أو أن مخارج الحروف عندها قد ألغيت، انهمر الدمعمن عينيها، فرحت، وحزنت، حتى اختلطت مشاعرها وما عادت تشعر بشيء، حتى ساد الحجرة صمت هو أعمق من الصمت ...
وبعد.
فإن هذه المرأة زوجت أب مها لم تحافظ على الأمانة التي استرعيت عليها، فالله تعالى يقول: (فالصالحات حافظات للغيب بما حفظ الله) قال ذلك يصف المرأة الصالحة التي ترعى بيت زوجها في غيابه، تحافظ على ولده وماله، فهي امرأة آثمة لهذا السبب.
وهي آثمة لأنها ظالمة، ظلمت ابنت زوجها، حيث أساءت معاملتها، وفرقت بينها وبين بناتها مع أنهن أخوات لأب واحد؛ بل إنها عاملتها معاملة الخدم، والله تعالى قد حرم الظلم، وأمر بمعاملة الأبناء وأبناء الزوج بالمعروف، وإن عاقبة الظلم وخيمة، حيث قال الله تعالى [احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ]، بالفعل إن هذه المرأة تستحق أن تحشر في النار مع الظالمين، لسوء معاملتها لانت زوجها، فهل من معتبر؟

السبت، 9 نوفمبر 2013

من وحي الهجرة

بسم الله الرحمن الرحيم

من وحي الهجرة:

إن الهجرة النبوية هي حدث مفصلي؛ كان له بالغ الأثر في حياة المسلمين خاصة وفي تاريخ البشرية عامة، فهو الحديث الذي وقف الإسلام بعده على أرض صلبة، وكان له دولة تحميه، وينطلق من خلالها إلى آفاق الدنيا الرحبة.
هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه فرارا بدينهم، وهذا يعني أن الدين في حسّ المسلم هو أغلى من النفس والمال والوطن.

ونحن اليوم بحاجة إلى نهاجر بديننا كما هاجر نبينا – صلى الله عليه وسلم – ولكن هجرتنا لا تكون من أوطننا حيث حرمت الهجرة من الوطن؛ وإنما تكون الهجرة من الدنيا ومتاعها الزائل إلىالله تعالى.
تحن بحاجة إلى نهجر معاصينا ودنوبنا، بحاجة إلى نهجر مصالحنا الفئوية الضيقة، بحاجة إلى أن نهجر قرقتنا وخلافاتنا ...
والأهم من ذلك فإننا بحاجة إلى نهجر موالاتنا لأعدائنا، حيث قال ربنا – جل وعلا – (ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء).
تحن بحاجة إلى نخطط لحياتنا، وكما فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – حينما خطط لخروجه من مكة، بحاجة لأن يكون إعمال العقل والتخطيط القائم على فكر وعلم هو مهجنا في الحياة، حيث ذلك من أهم وسائل النجاح والتقدم.
نحن بحاجة إلى نستحضر معية الله دائماً كما فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث اختباً وصاحبه في الغار، ثم لحقهم بهم الكفار، فقال لصاحبه (لا تحزن إن الله معنا)،

الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

سلسلة سلوكيات المجتمع الخلقة (4)

 يائسون قانطون !!

لا أدري ما هو سبب هذا القنوط الذي يشعر به الناس في غالب الأحيان، ولا أستطيع ان أعرف ما هو سبب هذا التشاؤم من كل شيء وبلا داعٍ.
كعادتهم بدأ الناس من فترة قريبة، وخصوصاً عند اقتراب شهر رمضان الكريم، يهولون في الأمور، ويبثون عباراتهم المتشائمة بين بعضهم البعض، ومن أكثر ما سمعنا عبارة (إن رمضان القادم سيكون أكثر حراً من غيره من الشهور) وأن الناس سيلاقوا من الشدائد والويلات ما يمكن أن يلاقوا بسبب الصوم في هذا الحر الشديد، وكأن الله تعالى قد أطلع هؤلاء على علم الغيب.
إن هذه العبارات تنم عن جهل بحقيقة الشهر الكريم، وأنه شهر الرحمة حتى وإن جاء في قلب الصيف، ونقول لهؤلاء أن عبارات اليئس والقنوط هذه ليست من الإسلام، فالله تعالى يقول: (إنه لا ييئس من روح الله تعالى إلا القوم الكافرون) فاليئس هو كفر بالله تعالى، والقنوط هو حجود لصفة هي من أخص صفات الله تعالى، وهي صفة الرحمة، فالله هو الرحمن الرحيم، ومن المعلوم في الإسلام أن الله لو علم أن الناس لا يستطيعون الصوم في الحر لما فرضه عليهم، لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ولكن هذا هو ديدن الجهلاء المتنطعون، الذين لا شغل لهم إلا دفع الناس إلى اليأس من رحمة الله عز وجل.

سلسلة سلوكيات المجتمع الحلقة (1)

 سلسة سلوكيات المجتمع

الحلقة (1) من هو القوي
يظن الكثيرون أن أن قوة الإنسان تكمن في عضلاته المفتولة، أو في شكيمته وإمكانيته في إخضاع الاخرين لإرادته؛ من أجل ذلك تراه يتصرف مع غيره بشيء من الشدة والصلف، وتراه دائم التجهم وهو يظن أن مجرد الابتسام للآخرين ضعف.
بهذا المفهوم للقوة يكون كثير من المخلوقات الذين هم أدنى مرتبة من الإنسان أقوى منه.
ولكن القوة هي أن تتمكن من السيطرة على نفسك، أن تستطيع كبح جماح شهواتك، القوة هي أن تتمكن من التحكم في غرائزك، فالقوي القوي هو الذي يستطيع أن يقود نفسه، ويسيطر على انفعالاته، وتكون تصرفاته مناسبة للموقف، وليست مجرد ردة فعل يندم عليه فيما بعد، أو يمضي عمره لا يستطيع أن يتخلص من نتائجه الكارثية.
ويصدق ذلك كله قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس القوي بالصرعة؛ وإنما القوي الذي يملك نفسه عند الغضب".

سلسلة سلوكيات المجتمع الحلقة (2)

 فتوى خطأ

منذ أن انتصف شعبان ونحن نتلقى عشرات الأشئلة في اليوم الواحد، كلها يتلخص في سؤال واحد، هل يجوز لمن أفطر أياماً في رمضان السابق أن يقضي ما أفطره في النصف الثاني من شهر شعبان؟ ويتكرر السؤال مرات ومرات، وفي كل مرة يقول لك السائل أفتاني أحدهم بأن الصيام غير جائز.
ونحن نقول هنا أن الذي أفتى بأن الصوم غير جائز في النصف الثاني من شعبان لم يحسن فهم الرأي الفقهي في هذه المسألة، وعلى كل حال فإن هناك خلافا بين الفقهاء في هذه المسألة، مع ترجيحنا للقول الذي يجيز الصيام، ولكن الذي لم يختلف فيه الفقهاء هو قضاء الصيام في النصف الثاني من شعبان، حيث لم يقل أحد منهم بعدم القضاء في هذا الوقت، وقد استندوا في ذلك إلى الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه: "لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا رجل كان له صياماً فليصمه"، وعلى كل فكل من يفتي الناس بأنه لا يجوز لهم القضاء فقد غشهم في دينهم وهذه جرأة على دين الله تعالى، قال فيه رسول الله صلى الله من أفتى بغير علم فقد كفر